الفحم أقدم وسيلة للرسم. فالخشب المتفحم بالنار زوَد الإنسان البدائي بأداة مناسبة لتخطيط صور الحيوانات على جدران الكهوف التي كان يلجأ إليها أو يسكنها. وكان الإنسان البدائي, الذي اعتمد في غذائه على قطف الثمار وصيد الحيوانات، يعتقد أنه قد سيطر على الموضوع بمجرد رسمه. فالتمثيل التصويري كان بالنسبة إلى ذهنه المحدود استباقاً للنتيجة المطلوبة.



رسوم على صخرة في كهف لاسكو(فرنسا)

في الأزمنة القديمة، كانت رزم الأغصان تُفحَم في أوعية فخارية لها أغطية محكمة السد. وفي زمن أقرب إلينا، كانت المفاحم، وهي أمكنة يُحوَل فيها الحطب إلى فحم، مشهداً مألوفاً في الغابات. واليوم، يُصنع الفحم من أغصان الكرمة والصفصاف في أفران خاصة.
لقد أُستخدم الفحم في التصوير الجصي على الجدران والسقوف من الزمن القديم حتى عصر النهضة، كما فضله العديد من الفنانين لوضع التخطيطات الأولية للرسوم الزيتية، فيما اعتبره الرسام والنحات الألماني ألبرخت دورير Albrecht Durer (1471-1528) وسيلة بحد ذاتها للرسم.
وكان أونوريه دومييه Honore Daumier (1808-1879)، وهو واحد من أعظم الرسامين في عهد الامبراطورية الفرنسية الثانية، قد أنجز مئات الرسوم بالفحم والوسائل الأخرى، معتمداً الخط اللولبي المميز لتسجيل الحياة اليومية لسكان باريس. ففي رسمه "ثلاث نساء منهمكات في القيل والقال Three Gossiping Women " استعمل الحبر فوق الفحم، وفي رسمه "دون كيشوتDon Quixote" استعمل الفحم المطلي بالحبر.
أما معاصره جان فرانسوا مييه Jean- Francois Millet (1814-1875)، الذي اهتم بتصوير الحياة الريفية، فقد أنجر رسوماً فحمية رائعة تنبض بالحياة.
وكان إغار ديغا Edgar Degas (1834-1917) وهنري دي تولوز لوتريك Henri de Toulouse-Lautrec (1864-1901) من بين الفنانين الذين ضموا الفحم الى الوسائل الأخرى. وفيما اهتم ديغا برسم الجياد والراقصات في الياليه الفرنسي، وظل متمسكاً، على عكس الانطباعيين، بالخط والشكل في رسومه كافة، راح لوتريك يرسم الأشخاص والأماكن معتمداً الخطوط المنحنية، ومستخدماً الوسائل المختلطة. فرسمه "المرأة راكبة الجواد The Woman Jockey la macaroni" نُفِذ بالطبشور الأسود والألوان الزيتية والفحم، ورسمه "مقهى في شارع روما The Bar of The Café de la Rue de Rome" أُنجز بالفحم الذي زاد من حدته الطبشور الأبيض.


لوحة "الراقصة" دراسة بالفحم للفنان ادغار ديغا

أما بول سيزان (1839-1906) فقد استخدم، مثل معظم الفنانين في القرن التاسع عشر، الفحم في الرسوم الأولية والدراسات. فرسمه "رأس فنان Head of a Painter" أظهر خطوطاً قوية وظلالاً متوازية، ودراسته " تشريح الجثة The Autopsy" أظهرت خطوطاً كثيفة وظلالاً سوداء.
وأما الفنان البريطاني بول هوغارث Paul Hogarth، الذي طاف في القارات الأربع: أوروبا و آسيا و أفريقيا و أميركا، وسجَجل رسوماً لأشخاص وأماكن من بلدان مختلفة، فقد اعتمد ت الريشة وقلمي الفحم والرصاص كأدوات أساسية في معظم أعماله المنشورة في الكتب والصحف والمجلات.



رسم الزعيم الأفريقي ألبرت لوثولي للفنان بول هوغارث